عائشة رافع كاتبة وباحثة في مجال الثقافة الروحية، ومصممة برنامج “كن نفسك” للتنمية النفسية والروحية، وواحدة من مؤسسي مؤسسة عين بين الروح والذات، ورئيس مجلس الأمناء فيها. تعلمت منذ الصغر أن أفتح نفسي لكل كلمة حق من أي مصدر وأتعلم منها، وذلك لأنه لم يكن غريبا علي وعلى أخوتي أن يعلمنا والدنا أن المصدر الأعلى للحق، مصدر واحد، كما أن الإنسان هو الإنسان، أيا ما كان لونه أو جنسه، أو اسم ديانته . فكل دين سماوي أو فطري يدعو الإنسان أن يتوجه لداخله، إلى النور الكامن في قلبه، وسيجده يوجهه لكل ما هو خير لنفسه ولغيره، وأنه بهذا النور يمكنه أن يتواصل بروح أي تعاليم مقدسة فلا تقتصر على شكل بلا روح. هذا الانفتاح القلبي والعقلي الذي نشأت فيه اقتلع من داخلي أي ميل للتعصب أو التشدد الديني، ولم يكن بحال ما مانعنا من انتماء عميق لرسالة الإسلام كما بُعث بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقلوبنا وعقولنا تقرأ فيها روح الاحتواء لكل كلمة حق في الماضي، أو حتى المستقبل . ببساطة شديدة تمتعت منذ طفولتي بسلام داخلي في علاقتي بالأسرة الإنسانية جميعها، وبكل أطيافها. تحقيق السلام مع النفس ومع البشر والمخلوقات يقع في جوهر برنامج “كن نفسك”، فهو يركز على الجوهر الروحي للإنسان، وتفاعله مع مشاعره، وأفكاره، ومعتقداته، وتأثير ذلك على نوعية حياته وعلاقاته الإنسانية، بهدف مساعدة كل إنسان أن يصل للسلام مع نفسه ومع العالم. بالرغم من الجو الأسري المفعم بالمحبة المتبادلة، والاحترام، والاطمئنان بين أفرادها على مستوى عميق، كان يصاحبني دائما، على المستوى الشخصي، إحساس خفيّ بألم وحيرة لا أعرف مصدرهما، وكأني أبحث عن شيء أفتقده، لا أدرك ما هو، وربما شعور غامض بالضياع لا أعرف جذوره. كأن الحياة تسير بي في مسارها، دون أن يكون عندي أي وضوح لما يمكن أن أفعله أو أريده، أو أتطلع إليه. واستمر هذا لسنوات طويلة، وربما كان هذا الحال نفسه هو الذي كان يمهدني لاكتشاف أشياء عن الحياة، وطبيعتنا كبشر، لم أكن أعلمها وأنا طفلة، بل وشابة، بل وزوجة وأم. لم أكن أتنبه إلى أن قدرة الإنسان على احتواء نفسه وغيره كبشر، هو أساس من أسس القيم الأخلاقية، والحياة الروحية. لذلك جعلت من تفهم الضعف الإنساني واحتواء النفس والغير جزءا أساسيا في برنامج “كن نفسك”. ومن هنا بدأت أحاول أن أفهم أكثر عن أبعاد بشريتي، وأدرك أن الوجود البشري يحتاج إلى الاكتشاف في طريقة تفاعله مع أحداث الحياة ليكون أداة طيّعة للروح في تعبيرها عما فيها من جمال ومحبة ورحمة. وبدأت أتدرب، في نفس الوقت، على أن أتيح لجذوري الروحية أن تساعدني في المزيد من اكتشاف نفسي ككائن بشري له خصوصيته وتفرده. تعلمت أن المثالية والرقي الإنساني لا يعني أن نصبح منزهين عن أي خطأ، وإنما أن نظل متطلعين لما هو أرقى وأجمل، بالتعلم مما نسميه “أخطاء” أو “ذلات”، من خلال مراقبة الذات بصدق، وبتصفية النية، وبالعمل الجاد، وطلب الإرشاد والتوفيق من الله سبحانه وتعالى. لذلك نعمل على أن يساعد برنامج “كن نفسك” كل إنسان على احتواء بشريته بحدودها، وضعفها، وأن توضح له التدريبات أن ما نسميه أخطاء ما هي إلا وسائل مشروعة للتعلم وللنضج النفسي والروحي. فالعمل على تكامل كل مستويات وجودنا جسدا وعقلا ونفسا وروحا يأتي في صميم محتوى برنامج “كن نفسك”. لقد انصبت مسيرة حياتي كلها، بعد ذلك، على اكتشاف ديناميكية العلاقة بين جوهرنا الروحي، أو حقيقتنا المقدسة، وبين وجودنا الإنساني، وكيف يتناغم ويتعاون هذان البعدان في حياة كل إنسان لتكون حياته أكثر استواء ونماء، وعطاء، وسلاما، وسعادة؛ كل حسبما هي طبيعته، وخصوصية رحلته على الأرض. ليس هناك أنماط تفرض على أي إنسان، وإنما هناك رحلات ورحلات تتنوع وتتعدد بعدد أنفاس البشر، يجمعها أننا “إنسان”، وهذا هو جوهر برنامج “كن نفسك”. بدأت وأنا على مشارف الأربعين من العمر—بالتعرض للاحتكاك بعدد أكبر من السيدات من أسرتنا الروحية التي كانت تقودها شقيقتي السيدة علياء رافع وأنا أشاركها—أدرك أن آلام البشر وحيرة الناس في علاقتهم بأنفسهم، وعلاقتهم ببعضهم البعض، وعلاقتهم بربهم، وكذلك تعاليم الدين، تنبع من أنهم ضحايا مفاهيم كثيرة متوارثة من قديم تمنع عنهم التواصل مع جوهرهم الروحي، وتتركهم في صراعات متعددة، لدرجة أن حربا تقع بين دولتين تنتميان إلى الإسلام (العراق والكويت)، ويدّعي كل طرف منهما أن الحق معه، مستشهدا بآيات القرآن الكريم. أدركت وقتها أن البشر يعانون أزمة روحية، وسجلت أفكاري في كتاب صغير أسميته “بل أزمة الروح”(١٩٩٢) . جاء في هذا الكتاب: “أي إنســان هــو روح ومــادة.. عقــل ونفس وقلب وجـوارح. هـذا هـو كـل إنسـان مهمـا بلغـت درجـة ضـعفه أو قوتـه.. جهلـه أو علمــه.. قدراتــه أو نواقصــه. إنــه عــالم مغلــق طــرق أبوابــه العلمــاء، وعرفــوا بعضــا مـــن أســـراره، ولا زالـــوا يجهلـــون الكثـــير والكثـــير. فـــإذا مـــا كـــان كـــل جهـــاز في الجســـم يعمــلُ بكفــاءة شــديدة ليكــون الإنســان في صــحة جيــدة فهنــاك هــذا الجانــب غــير المرئــي الــذي، مهمــا عرفنــا أو جهلنــا عنــه فإنــه هنــاك يعمــل.. يعــيش.. يتفاعــل.. يتحــرك.. يتــدبر.. بــل ويســيطر في أحيــان كثــيرة علــى أداء الجســد فــإن كــان نشــطا مزدهــرا يعطــى للجوارح القوة والقدرة والإمكانات.” “لـــيس مطلوبــا أن يكــون أي إنســـان إنســاناً آخـــر بــل مطلـــوب فقط أن يكون نفسه، ولكن أن يرى نفسـه فعـلا يـرى إمكاناتـه.. يـرى قدراتـه.. امتيازاته.. نواقصه محاسنه. فإذا ما عرف ذلـك فإنـه سـيختار هدفـه بحريـة شـديدة وهنـــا يـــأتي الحـــب.. فمـــن أحـــب شـــيئا كانـــه.” في تلك الفترة وُلد في أعماقي حُلم كبير: كان حُلمي هو أن يُتاح للأطفال الفرصة منذ صغرهم للتعرف على أنفسهم الحقيقية، فلا يدخلون في تلك المتاهات التي يغيب فيها عن الإنسان أنه روح في الأساس، وليس مجرد جسم فانِ، وأن الدين تجربة معاشة لا تُلَقّن من شخص لآخر، بل تساعد الإنسان أن تكون له رؤية لحياته وأهدافه. من هنا بدأت فكرة برنامج كن نفسك للأطفال، فبدأت داليا الشوربجي—وهي ابنة في أسرتنا الروحية—تكتب سيرة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم من هذا المنطلق حين كان طفلا يستمع للنور الذي داخله، وظل هذا النور معه طوال حياته. وفي تلك الفترة كان تفكيرنا متجها لمشروع تقديم برنامج أخلاقي للأطفال يعتمد على تقديم الإسلام لهم من منظور أن تعاليم الدين كامنة في طبيعتنا الأصلية، وبهذه الطبيعة يمكننا أن نتلقى تعاليم الدين بمنهج يؤدي للسلام والمحبة، ولا يؤدي للصراع والعنف، فكتبت كتاب “نحو حضارة أفضل: رؤية في تنمية الأسس الأخلاقية.” الذي نُشر عام ٢٠٠٧م. في هذا الكتاب قدمت استراتيجية تربوية وإعلامية تقوم على مخاطبة جوهر الطفل والإنسان عموما لاكتشاف وإيقاظ هويته الروحية، وليس على أساس إملاء أوامر ونواهي، واستعرضت الطريقة التي يقدم بها القرآن الكريم صفات الإنسان المختلفة كروح وذات، وكيف يكسب الاتزان والتكامل بينهما، وأن هذا هو الهدف المحوري للدين.. كل دين. بعد تفكير في الأمر من زوايا متعددة، فضّلنا ألا يكون للبرنامج مظهر ديني محدد، وإنما تكون معانيه عاكسة للبُعد الأخلاقي في كل الديانات، وفي الفطرة السليمة تحت أي مسمّى. فكتبت أنا قصة عن طفلة اسمها “بنورة” لما استمعت للنور في قلبها وعقلها، قدرت تعرف إن أي خطأ نعمله ممكن نتعلم منه، ولا يعني إننا “أشرار”. وكتبت داليا أيضا “قصة حياة حبة أرز” والتي توقظ وعي الأطفال بوحدة الخلق. توالت القصص، وتوالى بحثي عن أنواع التأمل المناسبة للأطفال، ليتدربوا على الوصول للسكون الداخلي، وكذلك التأمل بالحركة، فضلا عن الفنون والألعاب والغناء، التي تساعدهم على التعبير عن أنفسهم بحرية. “مهما كانت ظروف أي إنسان.. ومهما حالت الدنيا بينه وبين أحلامه.. مهما اغتال الآخرون آماله.. ومهما فرض عليه من حوله أهدافا بديلة.. حتى نسي ما أسرت به إليه أعماقه يوما.. فإنه لحظة أن ينفرد بداخله ويستمع إليه سيجده يقول له الكثير والكثير.. ويشكو إليه ما أرقه الشوق إليه.. وهو كثير.. كثير بعدد البشر.. كثير بقدر اختلاف الخلجات.. ونبضات القلوب.. وتباين النفوس.. ودرجات العلم.. والعقول.. ولكن ما يجمعها كلها هي أنها أحلام الإنسان.” كانت مثل هذه الكتب محاولة مني لأن أفهم أكثر عن طبيعة البشر، وما يصل بهم إلى سلوك غير سوي ينسبونه للدين، بينما قناعتي الشخصية وما أتعلمه من الطريق الروحي الذي نشأت فيه يساعد الناس كثيرا على عدم الوقوع في شَرَك التعصب والصراع والعنف. وشعرت بأني أريد أن أستوعب أكثر أساسيات الطريق الروحي فجاء الكتاب الثالث “البدء في الإسلام كلمة” (١٩٩٦) والذي قدمت فيه قراءتي لما استوعبته من أحاديث معلمي الروحي وأخي السيد علي رافع . في بدايات الألفية الثانية (٢٠٠٠م) كنت أجتمع مع عدد صغير من أسرتنا الروحية، رغبة منهم في إنشاء مجلة يعبرون فيها عن تجاربهم في الطريق الروحي، وأسميناها “خطوات على الطريق”. وفي أحد اجتماعاتنا أهدتني الصديقة العزيزة ماجدة المفتي كتاب “قوة الآن” The Power of Now لإيكهارت تول. وحين قرأته أثرت فيّ جدا التجربة التي مرّ بها الكاتب في اكتشافه أنه روح وليس جسدا، وما تلا ذلك من تغيير جذري في حياته. لم يدهشني اكتشافه، إنما ما أدهشني هو أن أجد إنسانا يتحدث نفس اللغة التي نشأت عليها؛ لغة الروح، ولغة الوصلة بالمقدس داخلنا، وكيف يؤثر ذلك في حياة الإنسان الواقعية. ففي ذلك الوقت لم يكن مثل هذه الموضوعات، في مصر على الأقل، شائعة مثل الآن، ومنذ السنوات الأولى للألفية الثانية. ما لفت انتباهي في الكتاب كان ذكر المؤلف ببساطة ويسر لمدى أهمية مراقبة الأفكار التي تدور في أذهاننا وتأثيرها على نوعية حياتنا اليومية، والمشاعر التي نشعر بها، وأحاسيسنا الجسمانية، وأيضا رحلتنا الروحية. ما جذبني أيضا في هذا الكتاب هو “التجربة الإنسانية” التي مر بها الكاتب، وهو لم يكن عنده أي خلفية روحية من قبل، وكيف جعل من هذه التجربة مجالا يخاطب به كافة البشر، أيا ما كانت خلفياتهم، أي يبدأ مما يمرون به من ألم وحيرة وبلبلة وضياع ليأخذهم رويدا رويدا لأعماقهم. وقد بدأ هذا الوعي عنده حين خبر قوة الروح داخله، كما رأى ضعفه ككيان بشري، احتواه وتصالح معه. ومن هنا بدأت ألتهم التهاما عشرات الكتب التي تتناول عمل العقل، والأفكار، والمشاعر، وتربط بينها وبين استوائنا النفسي والروحي. فقد أخذتني هذه الكتب إلى التعرف على تفاصيل جهازي البشري، وتأثيره على البُعد النفسي والروحي. تعلمت أكثر عن هذه المنظومة الخاصة بالجسم، والعقل، والنفس، والروح. وهذا عنصر أساسي في برنامج “كن نفسك” وصرت أبحث في مجال علم النفس الروحي أو علم نفس ما وراء الذات Transpersonal Psychology وعلوم العقل Mental Science، أو ما يُسمّى مدرسة ال New Thought وعلم النفس المعرفي، وعلم النفس الإيجابي، وكل ما له علاقة بأثر عمل العقل والأفكار على الجهاز العاطفي والنفسي، والروحي. وبدأت أيضا أدرس العلاقة الحميمة بين الذكاء الروحي، والذكاء العاطفي، وذكاء الجسم، فدرست أيضا هذا المجال، فضلا عن علوم المخ والأعصاب، وتأثير عمل المخ على الجانبين النفسي والروحي في الإنسان. وبدأت تتكون عندي صورة أشمل للعناصر المتداخلة فينا على كل هذه المستويات. ليس الهدف هنا هو حصر عشرات الكتب والمراجع التي درستها في هذا المجال: ولكن التطور الكبير الذي حدث في هذه المسيرة هو أنني وضعت هدفا جديدا وهو مساعدة كل الناس ونفسي لتحويل آلام الحياة إلى أدوات للنمو، بالمعرفة والتدريب. وفي هذه المرحلة بدأت تصميم برنامج “كن نفسك تكن سعيدا” الموجه للكبار. في تلك المرحلة كنت أعمل مع داليا وأفراد من أسرتنا الروحية، وكانت شقيقتي السيدة علياء رافع تبارك تلك الخطوات وبلورنا معا باكورة برنامج “إيقاظ الطفل الداخلي” لتدريب مدربي الأطفال، وطبقناه معا على عدد من أفراد أسرتنا الروحية. ومن هذا التدريب تخرج عدد من المدربين لا يمكنني حصر أسمائهم جميعا لكن أتذكر منهم السيدة داليا الشوربجي والسيدة لمياء عبد الشافي، والسيدة مروى صالح، والسيدة نيفين صدقي، والسيدة مها جوهر، والسيدة هبة رافع، والأستاذ حسام صالح، والأستاذة عبير زين، والأستاذة إيمان فهيم، والأستاذة إيمان حبيب، والسيدة إجلال السلاموني وغيرهم. وبعد فترة قصيرة انشغلت السيدة علياء بأمور أخرى، كما انشغلت داليا في دراسة رسالة الماجستير الخاص بصعوبات التعلم عند الأطفال. واستكملت وحدي مسيرة تطوير برنامج “كن نفسك” لنحو حوالي خمس سنوات. في عام ٢٠١١ قررت السيدة علياء أن تنشئ مؤسسة البناء الإنساني والتنمية وتجعل من برنامج كن نفسك مشروعا من مشروعاتها، إيمانا منها بأنه يخدم المجتمع، والإنسان، وأنه جزء من رسالة السلام والمحبة التي نشأنا عليها، ولا زلنا نعمل من أجلها. وبدأنا بالبرامج الثلاثة الموجودة “كن نفسك” للأطفال، و”إيقاظ الطفل الداخلي” لمدربي الأطفال، و”كن نفسك تكن سعيدا” تنمية ذاتية عامة (الشاهد) والذي بدأت به كأول برنامج رسمي أقدمه في مؤسسة البناء الإنساني والتنمية، وكنت المدربة الوحيدة في ذلك الوقت. ومع استمرار تطوير برنامج الأطفال بدأت كتابة قصص جديدة، طلبت مني دار نهضة مصر نشرها، وتم التعاقد معهم عام ٢٠١٣م. في تلك الفترة كان يزداد يقيني بأهمية هذا البرنامج الذي يمكن توجيهه لأي إنسان في أي ثقافة أو ديانة طالما أنه يتطلع فعلا لاكتشاف الذات، والحياة، وكان المتدربون يجدون من التدريبات والمعرفة ما يجعلهم يدركون أن انغماسهم في الحياة الخارجية وحدها يُفقدهم التواصل مع أنفسهم العليا، فيفقدون السعادة والسلام، فقد كانت كل الموضوعات التي يضمها البرنامج تخاطب قضاياهم الحياتية وتأخذ بأيديهم برفق لمزيد من التحرر من كثير من المعاناة التي تنتج عن غياب التعامل السوي مع النفس، ومع الغير. بعد نحو عام كنت فيه المدربة الوحيدة لبرنامج “كن نفسك” أبدت بعض المتدربات رغبتهن في أن يصبحن مدربات في هذا البرنامج لما لمسنه من أثر طيب على حياتهم، وتم فعلا تخريج عدد من المدربات اللاتي أخذن شهادة التخرج المعتمدة من مؤسسة البناء الإنساني والتنمية. وأخذ العدد يتزايد إلى أن بلغ عدد المدربين الآن لنحو الأربعين. كذلك بدأت في هذه الفترة الاهتمام بتصميم برامج متخصصة لرعاة الأطفال: الأبوين- المعلمين- الرعاة في دور الرعاية. وهنا قمت بدراسات في التربية تعتمد على احترام وتقدير الطفل ومساعدته على اكتشاف نفسه، ودعمه على تحمل المسئولية، وليس بالثواب أو العقاب . ولقد كان الهدف الذي أصبو إليه هو الاهتمام بالطفل كبذرة لحضارة مصرية أصيلة تقوم على احترام الإنسان ككائن روحي، أي أن القيم الأخلاقية تكمن في طبيعته، وتمكّنه من بناء حضارة عظيمة. لقد حققت برامج “كن نفسك” المتنوعة نجاحا كبيرا على مدى العشر سنوات تحت مظلة البناء الإنساني والتنمية بفضل رعاية السيدة علياء رافع له، وكذلك تبرع أحد أبنائنا في الأسرة الروحية وهو المهندس أدهم شاهر بالإشراف الإداري بالتعاون مع رئيسة مؤسسة البناء السيدة علياء، فضلا عن ولاء والتزام أسرة المدربات جميعا وإيمانهم الكبير بتأثير كن نفسك عليهم وعلى المتدربين. وقد أتاحت مؤسسة البناء الإنساني والتنمية لأسرة مدربات “كن نفسك” فرصا لخدمة فئات متنوعة في المجتمع المصري منها الرعاة في دور الرعاية، والطلاب والطالبات وكذلك المعلمين في المدارس الحكومية، فضلا عن أفراد متنوعين استفادوا من البرنامج. في نهاية عام ٢٠٢٠م رأي بعض أعضاء مجلس الأمناء بمؤسسة البناء الإنساني والتنمية أن تنوع برامج كن نفسك المتعددة والاحتياج لتوسيع آليات الإدارة لهذه البرامج، يستدعي ألا تقف برامج كن نفسك في حدود كونها مشروعا من المشاريع، وإنما أن تكون هي نفسها مؤسسة مستقلة. ومن هنا وُلدت فكرة “مؤسسة عين بين الروح والذات” والتي تم إشهارها في ٢٣ مارس عام ٢٠٢١م تحت رقم ٦٩٨٢. وصارت برامج “كن نفسك” تُستكمل، وتنمو وتتجدد بالتعاون بين مصممة البرنامج وبين المدربات الخبيرات. كذلك وُلد مؤخرا مشروع برنامج جديد في الثقافة الروحية تحت اسم “بيني وبين هو”، هدفه الأساسي نشر الوعي الروحي بأن الديانات جميعا، سماوية وفطرية إنما جاءت لتهدي الإنسان لاكتشاف جوهره الروحي وتفعيله في حياة على الأرض أكثر سلاما وأمانا ورحمة بين البشر، وأن تعاليم الأديان جميعا تمد البشر بأدوات للتدريب الروحي والنفسي ليدركوا أن المصدر الأعلى هو واحد تواصل البشر معه تحت مسميات متعددة، وأن جوهرهم واحد، وأننا جميعا أسرة إنسانية واحدة مهما اختلفت الألوان والأجناس والانتماءات. فالأولى بنا أن نكون أكثر اتساعا لبعضنا البعض، وأكثر تعاونا في إبداع حياة أفضل لنا ولكل المخلوقات ولأرضنا ككل. عملت عائشة بعدد من وسائل الإعلام المصرية والعربية والدولية منها:
وُلدت عائشة لأبوين كانت القيم الروحية لديهما أساس أفكارهما وسلوكهما، فوالدها هو الرائد الروحي السيد رافع محمد رافع (١٩٠٣- ١٩٧٠م) ووالدتها السيدة حزامِ رفاعة (١٩٢١- ٢.١٢م) حفيدة رائد التنوير في مصر الحديثة، رفاعة رافع الطهطاوي (١٨٠٥- ١٨٧٣م)، ويرجع نسب والديها إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. والتالي هو ما تحكيه عائشة عن خلفيتها ونشأتها، ورحلة تطورها الإنساني التي أخذتها لتصميم برنامج “كن نفسك” ثم مؤسسة عين بين الروح والذات.
تحدي شخصي جوهري
يبدو أن مشاعر الافتقار لشيء لا أدري كنهه، كانت المحفز الداخلي الأعمق من وراء تصميم برنامج كن نفسك، بعد رحلة من اكتشاف الكثير عن نفسي مما لم أكن أعرفه. فقد اكتشفت أنني في تفاعلي الشخصي مع القيم المثالية، كان ينقصني الكثير من النضج والفهم والتعمق. بمعنى أن القيم الأخلاقية التي نشأت عليها كانت متناغمة مع روحي وعقلي وقلبي، لكن شخصيتي الأرضيةكانت تحتاج الكثير من التدريب لتعبر عن روحانيتي من خلال إمكانات بشريتي. فمن مظاهر عدم النضج مثلا، هو أنني كنت أطلب من نفسي ومن غيري الكمال المطلق، ولا أضع في اعتباري تقبل حدودي البشرية، ولا ضعفي الطبيعي كبشر، ولا أخطائي الناتجة عن عدم خبرتي في الحياة. بل لم أكن أتفهم أيضا حدود البشر وضعفهم، فأسارع بالحكم عليهم والنفور منهم عند صدور أي سلوك أراه غير متوافق مع القيم المثالية التي ظننتها بديهية عند كل البشر. فتطلعي للمثالية دون تفهم للحدود البشرية خلق صراعا بيني وبين نفسي، وأيضا مع من حولي. أدركت لاحقا أن تطبيقي للقيم الأخلاقية بنوع من التشدد، الذي لم أكن واعية به، كان يحول بيني وبين قدرتي على التسامح والغفران مع نفسي ومع الغير.نقلة في الوعي
وبنفس الشغف عبرت عن ضرورة أن يعرف الإنسان حقيقة نفسه من خلال تأملاتي في تعاليم الإسلام كما تتجلى في الطريق الروحي، فقدمت كتابي الثاني “كلنا هذا الإنسان”(١٩٩٣)، والذي كتبت فيه:خطوات عملية ومعرفة أوسع
برنامج “كن نفسك” للمجتمع
مع نجاح برنامج كن نفسك للكبار ووجود طلب من المتدربين لجزء ثاني، قمت بمزيد من الدراسات التي هيأت تصميم الجزء الثاني (رحلة إلى الاتزان والتكامل)، حيث كنت أكتشف باستمرار زوايا جديدة في الرؤية تستحق أن تضاف، واستمر هذا الاتجاه في وجود برنامج إضافي سُمي “كن نفسك جدد وعيك” وجاء بناء على طلب المتدربين الذين يريدون الاستمرار في التدريب بعد أخذ الجزء الثاني، وبعد أخذ برنامج “إيقاظ الطفل الداخلي” الذي تطور هو أيضا ليكون برنامج تنمية ذاتية عامة، وليس برنامج تدريب مدرب فحسب وإنما جزء من المتطلبات الأساسية لمن يتقدم ليكون مدربا في برامج “كن نفسك”.
ومن الإنجازات الهامة في تلك المرحلة كان تشكيل قيادة جماعية من المدربات الخبيرات، يقمن بالإشراف على مجموع المدربين، وعلى تطوير المادة التدريبية بالاستمرار وفقا لطبيعة وروح البرنامج كما وضعته المصممة. كما أن هؤلاء المدربات يضفن الكثير من خبراتهم المتنوعة لإثراء البرنامج، باستعمال تدريبات وورش عمل، وأدوات جديدة تساعد المتدربين بشكل أيسر لتحقيق النمو الإنساني والروحي، بما يجعل حياتهم أكثر ثراء ومحبة وسعادة.مزيد من قصص المدربين
منشورات متنوعة
كتب بالإنجليزية والعربية
أوراق بحث بالإنجليزية
مجال العمل في برنامج كن نفسك
الخلفية الوظيفية:
التعليم